سريبرينيتسا

معضلات حفظ السلام

تحرك جنود قوات صرب البوسنة التابعين للجنرال ملاديتش، في 9 تموز 1995، باتجاه مناطق الكتيبة الهولندية الثالثة المحمية من سريبرينيتسا. سيطر جند القوات المهاجمة على المأوى الآمن للمسلمين من دون مقاومة كبيرة. نقل الصربيون المسلمين في حافلات، أولاً بعد فصل الرجال عن النساء و الأطفال بمساعدة من القوات الهولندية. أعدم الصربيون، بعد وقت قصير، معظم الرجال (7000 رجل على الأقل). أعطي الجنود الهولنديون، الذي شك بعضهم بما سيحدث، لكن لم يشهد أي منهم عمليات الإعدام، عبوراً آمناً إلى زغرب، حيث قام باستقبالهم رئيس الوزراء كوك و الأمير المتوّج فيليم-ألكسندر.

عندما وصلت إلى هولندا أخبار المذبحة التي وقعت "تحت عيون الكتيبة الهولندية"، أثير السؤال حول إذا كان ينبغي على الجنود الهولنديين حماية المنطقة ضد جنود صرب البوسنة مما كان يمكنهم من تجنّب المجزرة بذلك. في البداية، تركزت الأنظار على الجنود لكن عاجلاً توضّح أنه لا يمكن إلقاء المسؤولية على عاتقهم، إذ أنّ انتدابهم منع مشاركتهم في الحرب. فوّضت الحكومة، في أيلول عام 1996، المعهد الهولندي لتوثيق الحرب (NIOD) بالتحقيق في الظروف الدقيقة للحادثة. عندما نشر NIOD تقريره عام 2002، أقرّ رئيس الوزراء كوك المسؤولية السياسية للمذبحة في سريبرينيتسا و قدّم استقالته.

شارك الجنود الهولنديون، منذ البداية، في إرساليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة و التي يقوم الجنود وفقاً لها، بالنيابة عن الأمم المتحدة، بالإشراف على الالتزام بمعاهدات حفظ السلام و وقف إطلاق النار في المناطق المضطربة حول العالم. تمّت الإرسالية الأولى في إسرائيل عام 1948. و المشكلة المتكررة الحدوث خلال هذه الإرساليات هي التعليمات حول استخدام القوة. ما هو المسموح لحافظي السلام بفعله، و ما هو الممنوع في مواقع الاضطراب هذه؟ لدى مجلس النواب الهولندي الرأي المطلق في إصدار الأوامر للجنود الهولنديين، إذ يجب على المجلس المصادقة على الاتفاقيات المبرمة بين الحكومة و الأمم المتحدة بخصوص درجة تسليح الجنود و نوع القوة المسموح لهم باستخدامها. و يعني هذا أن التوازن بين واجبات الجنود الهولنديين و المخاطر التي يتعرضون لها بناء على ذلك، تصدر بشكل مطلق من مجلس النوّاب الهولندي. بعد مذبحة سريبرينيتسا، تمّ الاعتبار مرة ثانية أنه يجب إبقاء مجلس النواب مطلعاً قدر الإمكان بهذا الشأن.

تمّ في هولندا الشعور بعمق بتوابع ما حدث في سريبرينيتسا، الأمر الذي أدى إلى تردد متزايد و حذر أكثر عند نشر الجنود الهولنديين في الخارج. و رغم ذلك، لم تؤدي الحادثة إلى وقوف هولندا على الحياد و رفض المطالب الدولية للدعم العسكري، لأن هولندا ترغب بالاستمرار في لعب دور في السياسة الدولية و حفظ السلام.